أكدت مختلف الدراسات والأحكام القضائية في فرنسا (كما سيتضح في الدراسة) أن واقع تسيير شركات المساهمة لم يكن يعكس حقيقة الصورة الديمقراطية المرسومة لـها، بل على العكس أفضى إلى نتائج متفاوتة الخطورة والأهمية لعل من أبرزها انفراد الأغلبية سواء كانت فردا أو مجموعة؛ بجميع السلط والصلاحيات القانونية والفعلية؛ وإبعاد الأقلية وتهميشها، مما أدى إلى توتر العلاقات بين المساهمين ونشأة خلافات ونزاعات داخلية بين الكبار والصغار أو على الأصح بين الأغلبية والأقلية؛ بسبب بعض القرارات المتخذة في الجمعية العامة بقوة قانون الأغلبية والتي كانت تثير رفض الأقلية ومعارضتها.
أثار هذا الوضع لدى فقه وقضاء قانون شركات المساهمة ؛تساؤلات كثيرة حول كيفية ضبط هذه المواجهة، وتنظيم العلاقات الداخلية بين المساهمين ؛وبينهم وبين المتصرفين، تنظيما يوفق بين الفردانية الليبرالية لشركة المساهمة كأداة لخدمة الرأسمالية، وبين الصفة الجماعية لشكلها ونظامها باعتبارها تقنية قانونية جماعية، وما بين وضعية المساهمين كأفراد أو جماعات منضوية تحت نفس الإطار القانوني. وقد تدخل المشرع في فرنسا مثلا بتعديلات هامة على قانون 1867 منذ 1930 ؛(لم تنقل إلى المغرب) ولكنها اقتصرت على جانب واحد ومظهر محدد هو تشديد مسؤولية المتصرفين، طمعا في أن ينعكس ذلك بصورة غير مباشرة على مساهمي الأغلبية، فيرتدعوا. وتكفل القضاء التجاري الفرنسي من جهته بممارسة ضغط مواز على الأغلبية لمنعها من تخط الحدود المنطقية المعقولة أثناء ممارستها لسلطاتها وصلاحياتها – غير المنازع فيها من أحد. وأدى هذا التحرك القضائي المكثف إلى ظهور ما عرف وأطلق عليه عهد حكومة القضاة؛ وهي عبارة استعملت كثيرا للدلالة على رفض التدخل القضائي في ما كان يعتبر مجالا محفوظا للأغلبية .
موازاة مع ذلك تصدى العديد من الباحثين والفقهاء في فرنسا لكتابة الدراسات الأكاديمية والتعليقات والحواشي علي المقررات القضائية المختلفة الصادرة في الطعون الموجهة ضد قرارات الجمعية العمومية. وإذا كان القاسم المشترك بين تلك الدراسات والأبحاث هو محاولة إعطاء صورة متجددة لقانون شركة المساهمة؛ ولنظام العلاقات الذي يجب أن يسود بين أعضائها، إلا أنها كانت في الغالب تنظر إلى الأمر من زاوية تهم فقط مسؤولية المتصرفين ودورهم وعلاقاتهم في إطار الجمعية العامة، مع إشارات من حين لآخر في بعض الأطروحات إلى ما يمس العلاقة الداخلية بين مساهمي الأغلبية والأقلية على ضوء ما تراكم من اجتهادات قضائية، أدت إلى فرض قواعد جديدة لضبط تلك العلاقات على أسس ابتكرها القضاء مستعينا في ذلك ببعض المفاهيم الأساسية الكبرى سواء في القانون المدني أو الإداري.
ظلت هذه التراكمات المعرفية الهائلة مجهولة لدينا في المغرب؛ فكانت الأبحاث القليلة في هذا الميدان؛ تنكب فقط على أنظمة الإدارة والتسيير؛ ومسؤولية المتصرفين، في حين كانت التحولات المتتالية على أسس النظام الاقتصادي والسياسي والقضائي في بلادنا توحي بمؤشرات دخول عالم آخر يستدعي وسائل للمواجهة؛ يكون القانون أحدها.
وقد خيل لي من خلال هذا الرصد؛ أن إعداد بحث عن السلطة وممارستها في شركة المساهمة، أمر لا يخلو من إغراء وفائدة. وتوزعني منذ بداية التفكير في المفهوم رأيان أحدهما يميل إلى الاقتصار على دراسة الدور القضائي في مجال حماية الأقلية ضد عنت الأغلبية، وثانيهما يدفعني إلى ركوب المخاطرة والبحث من خلال تصور شامل لنظام العلاقات الداخلية بين الأغلبية والأقلية. وقد استغرقني هذا التوجه الأخير رغم وعورة طريقه وضعف وقلة الأدوات المتوفرة؛ حيث الإنتاج التشريعي المغربي شبه منعدم، والعمل القضائي والفقهي غير موجودين تقريبا.