يشكل المجلس الوزاري -ضمن قائمة المؤسسات الدستورية المعتمدة في أي نظام من الأنظمة-تلك المؤسسة التي تجمع رئيس الدولة بالحكومة. وتشكل بذلك أقوى مناسبة للتداول بشأن القضايا والنصوص التي تهم سياسة الدولة وتوجهاتها الإستراتيجية. ليبقى الإختلاف بشأنها قائما حول نوعية العلاقة التي ستجمع بين قطبي السلطة التنفيذية داخلها ( رئيس الدولة والحكومة)، ثم الوزن الذي يحظى به كل طرف بخصوص قوته الإقتراحية، التداولية، بل والتقريرية.
إن استيعاب الدور الذي سيضطلع به المجلس الوزاري في أي نظام من الأنظمة، لا يمكن أن يتأتى إلا بالتفصيل في أنماط السلط التنفيذية القائمة، وتحليل ذلك الموقع الذي يحتله داخلها هذا المجلس. الغاية من ذلك إبراز درجة محورية هذه المؤسسة في الحياة العامة لهذه الدولة، والدور الذي تضطلع به – تبعا لذلك- باقي المؤسسات الدستورية الأخرى. وبالتالي الوصول إلى استنتاج طبيعة النظام السياسي لهذه الدولة، و مختلف الخصائص التي تميز كل نظام عن الآخر.
لقد عرفت العلاقة المؤسساتية في النظام الدستوري المغربي تطورا ملحوظا نتج عنه إقرار المراجعة الدستورية لسنة 1992 بتعضيد مركز الوزير الأول: تعضيد هم شقه العضوي بما خوله من صلاحية في اقتراح الوزراء، ووظيفي بما استتبعه هذا الحق في الإقتراح من تقوية سلطته على مستوى الصلاحيات. بل وشكل تنصيص إجراء التصويت على البرنامج الحكومي أهم تطور دستوري يذكر خلال هذه التجربة. وذلك بما تشكله ثقة مجلس النواب من حمولة شرعية جديدة للحكومة ومشروعية لأعمالها، إضافة إلى التعيين الملكي الذي ظل الشرعية الوحيدة للحكومة وأعمالها منذ أول دستور أقر سنة 1962.
إن التطور الدستوري في الموضوع هو ما سيكون بموجب تجربة 2011. تطور هم إعادة النظر في صلاحيات مختلف المؤسسات، في مقدمتها جهاز السلطة التنفيذية بما سيعيده داخلها من توزيع للإختصاصات على النحو الذي سيجعل الحكومة قطبا وازنا بصلاحيات جديدة وأخرى مشتركة.
فلئن كان الموضوع كذلك، فإن تطورا قد طرأ على مؤسسة المجلس الوزاري التي تشكل أقوى اجتماع للسلطة التنفيذية. تطور تغيى تعضيد مركز الحكومة داخلها من جهة، وعقلنة النصوص والقضايا التي تحال عليها من جهة أخرى. التعضيد الذي كان بنقل جملة من هذه النصوص إلى مؤسسة مجلس الحكومة للتداول والتقرير بشأنها. تلك المؤسسة التي أحدثت بموجب دستور 2011 بعد أن ظلت – لطيلة التجارب السابقة- من قبيل العرف وما دأب عليه الإشتغال.
فإذا كانت مؤسسة المجلس الوزاري بالمغرب تعد أعلى سلطة تقريرية بالدولة، فإن مرد ذلك بالدرجة الأولى إلى كون الملك من يرأسها. وبالتالي، تكون النصوص والقضايا التي تحال عليها إنما تكتسب قيمتها داخل مداخل صياغة سياسة الدولة من هذه الرئاسة أكثر مما تكتسبها من أي بعد ذاتي يرتبط بطبيعة النص أو الموضوع نفسه. بل وإن التعمق في الموضوع سيقودنا إلى القول بوجود علاقة جدلية يستدعي كل منهما الآخر: فالملك لا يتداول إلا في المواضيع ذات الطابع الإستراتيجي، والمواضيع تكتسب صفة ” الإستراتيجية ” من تداول الملك بشأنها ورئاسته لجلسات كانت مدرجة ضمن جدول أعمالها.
إن التعمق بالدراسة والتحليل في موضوع المجلس الوزاري في النظام الدستوري المغربي، سيجعلنا نقف عند ملامسة العديد من الإشكالات. إشكالات ترتبط بطبيعة السلطة التي تمارسها مختلف المؤسسات الدستورية المكرسة بموجب دستور 2011، والوقوف على قياس درجة كل سلطة من هذه السلط ودرجة تأثيرها داخل هياكل الدولة. بل ومعرفة طبيعة العلاقة التي تجمعها ودرجة التأثير والتأثر بينها. وبالتالي، الوقوف على استنتاج طبيعة النظام الدستوري والسياسي للدولة انطلاقا من طبيعة السلطة التي تمارسها مؤسسة المجلس الوزاري، وتحليل طبيعة النصوص التي تحال عليها ودرجة تأثيرها في الحياة العامة للدولة. كل هذا وذاك بما سيمكننا من التوصل إلى معرفة موقع هذه المؤسسة في تحديد سياسة الدولة وتوجهاتها العامة، وما يستتبعه ذلك من معرفة درجة تدخل باقي المؤسسات في هذا الدور، وأخص بالذكر مؤسسة مجلس الحكومة على النحو الذي سنراه بالتفصيل.