التعاقد من الباطن هو أحد الأساليب التعاقدية التي أصبح يلجأ إليها المدين للاستعانة بغيره على تنفيذ الالتزامات التي أنشأها على عاتقه العقد الأصلي الذي أبرمه مع الدائن. وعلى الرغم من استعمال المشرع لمصطلح العقد من الباطن إلا أنه لم يضع له تنظيما عاما وجامعا، وإنما اكتفى بتناوله عرضا في إطار تنظيمه لبعض العقود في هذا القانون أو ذاك. ومن صوره العديدة في التشريع المغربي الكراء من الباطن، والمقاولة من الباطن، والوكالة من الباطن… ولكل صورة أحكامها الخاصة.
وقد انصب تفكير الأستاذ محمد الأزهري في هذه الأطروحة على تقعيد وصياغة نظرية عامة تستوعب مختلف صور التعاقد من الباطن، وتعدم الاختلافات الكائنة فيما بينها، بحيث يصبح العقد من الباطن سهل الفهم والإدراك، سواء على مستوى تحديده وتمييزه، أو على مستوى ما يخوله لأطرافه من دعاوى كلما قرروا الرجوع على بعضهم البعض سواء من أجل الأداء أو من أجل المسؤولية، مستعينا في ذلك بمنهج رصين في الدراسة والتحليل والمقارنة.
ومن مميزات هذه الدراسة أنها جسدت بحق فكرة البحث القائم على الدقة في التحليل، والانسجام في الأفكار والآراء، والتوازن في معالجة القضايا المبحوثة، واعتماد المنهج الرصين في البحث والتحليل، والأسلوب الجميل والواضح في العرض والمناقشة. ناهيك عن كونها جاءت بطرح جديد وأصيل وغير مسبوق في المغرب؛ استقل فيها الباحث برأيه بعيدا عن أي تقليد، ومن ثم ستشكل بدون شك إغناء للخزانة القانونية في مجال قانون العقود الخاصة، مثلما ستكون مرجعا مفيدا للمشرع المغربي للنظر في الاقتراحات التي تقدم بها الباحث من أجل تطوير القانون المدني في هذا المجال.