يتناول هذا الكتاب مظهرا من مظاهر تطور المسؤولية المدنية، يرمز إلى توسع نطاقها ليشمل العلاقات الأسرية، وهذا الموضوع لئن كان لا يثير صعوبة في الدول اللائكية كفرنسا مثلا إذ يتناول القانون المدني فيها تنظيم العلاقات الأسرية إلى جانب العلاقات المالية (أو الحقوق المالية) وبالتالي فإن القواعد العامة للقانون المدني تسري على العلاقات الأسرية، بما في ذلك قواعد المسؤولية المدنية مع إدخال الغاية، فإن الأمر ليس كذلك في جل الدول الإسلامية، إذ يتم تنظيم العلاقات الأسرية فيها بموجب قوانين خاصة مستمدة جل قواعدها من الفقه الإسلامي تحت مسميات متنوعة، تأكيدا على تميزها واستقلاليتها.
ومعلوم أن الفقهاء نادرا ما قبلوا إمكانية تطبيق قواعد الضمان في نطاق هذه العلاقات، ولعله الأمر الذي ساد في بلادنا حتى بعد دخول مدونة الأحوال الشخصية التي صـدرت كتبها بين سنتـــي 1957 و1958 حيز التطبيق رغم المحاولات القضائية القليلة في هذا الصدد.
وبصدور مدونة الأسرة ودخولها حيز التنفيذ تحققت خطوة هامة ولو كانت محتشمة في سبيل الانفتاح على القواعد العامة للقانون المدني، ومن ضمنها قواعد المسؤولية المدنية حيث تمت الإشارة إلى تعويض الضرر في بعض نصوصها. وهذا ما حدا بالباحث إلى بحث موضوع المسؤولية المدنية في قضايا الأسرة”، حيث ركز بحثه في كتابي الزواج وانحلال ميثاق الزوجية من مدونة الأسرة محاولا الوقوف على هذه الحالات وبيان عناصرها ونطاقها والآثار المترتبة عنها مع بيان الخصوصيات التي تميز هذا التطبيق.
وقد حاول الباحث استكناه آراء الفقهاء وسبر أغوار مواقف القضاء في كل مسألة يثيرها مؤثثا عمله هذا بآرائه الشخصية واقتراحاته الجدية وداعيا إلى توسيع نطاق إعمال قواعد هذه المسؤولية في غير الحالات المنصوص عليها قانونا، حاثا القضاء على نهج هذا النهج السديد رغم ما تعتريه من عراقيل، كل ذلك في أسلوب قانوني سلس ومحكم ينم عن شخصية صاحبه وعن خبرته الطويلة التي اكتسبها من خلال مهنته. ولا جرم أن محاولته هذه ومواقفه التي صدع بها قابلة للنقاش وأنها لا تمثل في الحقيقة إلا جزءا من إشكالية كبرى تهم العلاقة بين قواعد مدونة الأسرة وقواعد القانون المدني (ق. ل.ع).