ضمن سلسلة أعمال جامعية، صدر عن منشورات مجلة القضاء المدني كتاب “المركز القانوني للبنوة غير الشرعية في ظل التعدديات المرجعية”، لمؤلفه الدكتور رشيد لعنب. وفيما يلي، نبذة عن هذا الكتاب:
حري بالذكر أن أي بنوة إنما تكون نتاجا تكوينيا لاتصال جنسي بين رجل وامرأة. ولذلك، فإن الابن المَأتِيَّ به من هذه الولادة يكون منسوبا إليهما باعتبار الرابطة البيولوجية، والمعبَّر عنها تشريعيا بالتَّنسل. غير أن التشريعَ المغربي، وضع ضوابطَ خاصةٍ بهذه العلاقة؛ حفاظا على نظافة الأصلاب وطهارة الأنساب، فحدد المسالك التي تثبت بها شرعيةُ البنوة؛ وهي الزواج وما ألحَقَه به، وأبطل ما وراء ذلك، ومن هنا أضحت البنوة على شاكلتين؛ نوع يأتي في إطار علائق معترف بها شرعاوقانونا، ونوع آخر يحدث كنتيجة لعلاقة جنسية منفلتة عن تلك الضوابط؛ فتكون غيرَ شرعية وغير معترف بها. فهل من سبيل الى رفع التناقض بين الحقيقة البيولوجية الدموية من جهة، وبين الحقيقة الشرعيةالقانونية من جهة أخرى؟ سعيا لفرض المطابقة القانونية بين المراكز القانونية والوقائع المستجدة في مجال العلوم الإحيائية. لكن، دون تنكب عن مقصد حفظ الأصلاب وحرمتها.
ولا غرو أنه ليس من اليسير الحديث عن موضوع البنوة في ظل النظام القانوني المغربي، وذلك لاتصاله بظاهرة بالولادات خارج إطارالزواج؛ باعتبارها وواقعا مجتمعيا معقدا. فضلا عن أن القوانين المرتبطة بالبنوة تتأسس على مفاهيمَ شرعيةٍ وقانونية واجتماعية وأخلاقية متعددة؛ تنعكس آثارها على مركزيتها القانونية. ولعل ما يكرس هذا الوضع، هو الازدواجية القانونية المقررة في التشريع الأسري، الذييتأسس على قواعدَ حقلين متمايزين،وهما؛ النظامُ الشرعي المستنبط من قواعد الشريعة والفقه الإسلامي، والنظامُ الحقوقي المستمد من مبادئالاتفاقيات الدولية، الأمر الذي أفرز ازدواجيةٍ في الخطاب، بين خطابينيصعب احتواؤُهما نظريا وانتظامُهما قانونيا في نسق منسجم..
ولعل مما حملني على تحريرمسائل البنوة؛ كونها تشكل صفوةُ المواضيع الأسرية، بل هي بمنزلة واسطة العِقد منها. فضلا عن راهنية الموضوعوطابعهالجدلي،الذي كثُرت فيه القالة، ولم يخلُ من جدل الخاصة ولغط العامة،قديما وحديثا،تبعا لتعدد الانطباعات والأفهام والمدارك. وهو الأمر الذي رغبني في طرح أفكار جدية تُسهم في معالجة بعض إشكالات البنوة غير الشرعية، وخاصة أنها أضحت تطفو بكثرة على ساحة النقاش العمومي؛ بلغت معه، في أحايين كثيرة، درجة من اللِّجاج واللّدد.
المؤلف/ رشيد لعنب