ضمن سلسلة أعمال جامعية، صدر عن منشورات مجلة القضاء المدني كتاب التعهد عن الغير: دراسة مقارنة، يقدم فيه مؤلفه الدكتور أحمد العطاري دراسة معمقة لمؤسسة التعهد عن الغير في القانون المغربي . والتعهد عن الغير بصفة عامة هو أسلوب تعاقدي ينظم سلوكات المتدخلين في شؤون الغير بدون سلطة، ووسيلة حديثة لتأمين مصادقة أو تنفيذ المتعهد عنهم للأفعال أو التصرفات المبرمة باسمهم من طرف الأغيار بدون سلطة. وقد تطور بشكل سريع في السنوات الأخيرة لدرجة أنه أصبح- خاصة في التشريعات التي نظمته- ينافس الضمانات الشخصية من خلال صورة التعهد بحمل الغير على التنفيذ.
وقد تصدى المؤلف، لمختلف الفرضيات النظرية التي يمكن تصورها للتعهد عن الغير في ضوء قانون الالتزامات والعقود عبر اقتباس أحكامه وما توصل إليه الاجتهاد الفقهي والقضائي للتشريعات التي شكلت مصادره المادية والتاريخية. بل لقد وجد في الفصول 36و37و38و928 و1124 من القانون المذكور ما ساعده في البحث عن أساس نظري انطلق منه لمناقشة التعهد عن الغير. وجعل من الفقرة الأخيرة من الفصل 928 منه – في صيغته الرسمية فرضية نظرية يمكن أن يكون موضوعها تعهد بأفعال وتصرفات الأغيار من طرف المتعهدين كمتصرفين في شؤون الغير بدون سلطة؛ كالكراء، أو البيع أو الرهن أو إجارة خدمة أو إجارة صنعة…؛ كما وجد في مبدأ سلطان الإرادة ما يسمح للمتعاقدين بخلق ممارسات تعاقدية جديدة، ومنها مختلف صور التعهد عن الغير، المحدثة أو التي ستحدث.
ومن خلال محاولته في التأصيل النظري للموضوع خلص المؤلف لنتيجة عامة وهي أن قانون الالتزامات والعقود قد تطرق للتعهد عن الغير حسب ما هو ثابت من مصادره المادية والتاريخية؛ كما أن العمل الفقهي والقضائي المقارن عالج مختلف الصور العملية التي طرحت عليه في إطار النصوص التي شكلت الأصل المادي للفصل 36 منه.ثم ميزه عما يشتبه به من مؤسسات؛ كما وضح شروطه وصوره النظرية؛ مع إعطاء فكرة عامة عن تكوينه وآثاره؛ مستأنسا في ذلك بما وصل إليه العمل الفقهي والقضائي للتشريعات التي شكلت الأصل المادي والتاريخي لقانون الالتزامات والعقود بشكل عام، وبالفصول 36 و37 و38 و928 و1124 منه على وجه الخصوص.
كما انصب تفكيره في هذا الكتاب على صياغة نظرية عامة تستوعب مختلف أحكام وآثار التعهد، بهدف التقعيد لهذه المؤسسة في التشريع المغربي، مستعينا في ذلك بمنهج رصين في الدراسة والتحليل والمقارنة. كما استند بشكل واضح، وبطريقته الخاصة، على مختلف النظريات والمفاهيم القانونية التي أطرت مؤسسة التعهد عن الغير في التشريعات المقارنة. فجاءت الأطروحة تبعا لذلك، غنية بمصادرها ومراجعها التي وُظفت ووُثقت بمهارة وبدقة وبمنهجية متميزة؛ ومثالا يحتدى في الدقة في التحليل، والانسجام في الأفكار والآراء، والتوازن في معالجة مختلف الإشكالات التي طرحها الموضوع، اعتماد على منهج رصين في البحث والتحليل، وأسلوب جميل وواضح في العرض والمناقشة.
وعموما، فقد دافع المؤلف في هذه الدراسة عن قراءة معينة لقانون الالتزامات والعقود في ضوء مصادره المادية والتاريخية تسمح للفقه المغربي بأن لا يجد حرجا في القول بتنظيمه للتعهد عن الغير، وبالتبعية بتصور إمكانية الاعتراف القضائي بهذه المؤسسة، وبأن يجعلها تؤدي نفس الأدوار التي أصبحت تقوم بها في التشريعات المقارنة، التي تحول التعهد عن الغير فيها من أداة للتدخل في شؤون الغير بدون سلطة، إلى أداة للضمان، تساعد على ضمان تنفيذ الالتزامات التعاقدية تحت طائلة مساءلة المتعهد وإلزامه بالتعويض عن عدم تحقق الفعل أو التصرف الموعود.
وأهم ميزة في هذه الدراسة هي أنها جاءت بطرح جديد وأصيل وغير مسبوق في المغرب؛ استقل فيها الأستاذ أحمد العطاري– الذي جسد بحق فكرة الباحث المجتهد – برأيه بعيدا عن أي تقليد. ومن ثم ستشكل، بدون شك، إغناء للخزانة القانونية يستفيد منها الباحثون، مثلما ستكون مصدرا يستفيد منه المشرع المغربي للنظر في الاقتراحات التي تقدم بها الباحث من أجل تطوير القانون المدني في هذا المجال. لذا فقد شجعته على نشرها حتى تعم الفائدة.