افـتـتـاحـيـة
يسر مجلة القضاء المدني أن تضع بين يدي قرائها الكرام عددها الرابع، الذي يضم مجموعة من البحوث العلمية القيمة، وعددها سبعة، بالإضافة إلى تعليق على قرار، فأربعة منها في مجال القانون المدني والقانون القضائي الخاص، واثنين في نطاق قانون الأحوال الشخصية، وواحد في تخصص قانون الأعمال والمقاولات، والأخير في مجال القانون الإجتماعي.
ففي مجال القانون المدني نستهل باب دراسات وأبحاث بالجزء الثاني والأخير من الدراسة القيمة للأستاذ الدكتور أنيس منصور المنصور حول (( إعلان ختام المحاكمة في قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني ))، بعد أن كنا قد نشرنا جزءها الأول بالعدد السابق، ويستعرض هذا الجزء الحالات التي يتم فيها فتح باب المحاكمة بعد ختامها، إما جوازا حيث تظل السلطة التقديرية في ذلك للمحكمة، أو وجوبا لوجود نص قانوني يلزم المحكمة بفتح باب المحاكمة من جديد تلقائيا أو بطلب من الخصوم.
ويحتوي العدد على بحث بعنوان ((اشكالية التبليغ عند تعدد المدعى عليهم )) للأستاذ عبد المهيمن حمزة، وهو يتناول الاشكالات المرتبطة بالتبليغ حال تعدد المدعى عليهم، وضرورة التوفيق بين مصلحة المدعي من جهة ومصالح المدعى عليهم وضمان حقهم في الدفاع، والمواجهة من جهة أخرى. وقد استعرض فيه بالنقد والتحليل ضوابط تبليغ الاستدعاءات والأحكام والقرارات المتعلقة بالقضايا التي تتميز بتعدد المدعى عليهم، وكذا الانعكاسات الخاصة بهذا التعدد على الآثار المترتبة عن عملية التبليغ.
كما يضم العدد بين دفتيه بحثا للدكتور جمعة محمود الزريقي حول موضوع (( حكم المغارسة في الأراضي الموقوفة بين الواقع وقواعد الفقه والقانون)) يتلمس فيه الحلول الممكنة لمعالجة الاشكالية المترتبة عن عقد المغارسة المبرم على الأرض الموقوفة، حيث ينتج عن تنفيذه تمليك المغارس جزء من هذه الأرض، واستقطاعها من ملكية الوقف، وهو ما يناقض سنة الوقف حيث تكون الصدقة مؤبدة في الغالب، ويخالف أيضا شروط الواقف الذي انصرفت إرادته إلى جعل العقار موقوفا عن التصرفات الناقلة للملكية، وتسبيل غلتها أو ريعها في سبيل الله، أو الوجوه الخيرية التي أرادها، فهل تطبق أحكام المغارسة، ويتم تمليك المغارس الجزء المتفق عليه من الأرض، أو أن ذلك يتعارض مع قاعدة عدم التصرف في أرض الوقف بأي تصرف ناقل للملكية؟، وقد سلك في ذلك المنهج الفقهي التحليلي التاريخي، باستعراض الأحكام الشرعية وفتاوى فقهاء المالكية في الموضوع. تليه دراسة قيمة للأستاذ الدكتور أحمد ادريوش حول ((الخطأ الطبي والمسؤولية: عرض الاشكالية والتقييم المقارن للقوانين الوطنية))، هي في الأصل مداخلة شارك بها في المحور الأول التقديمي للندوة التي نظمها الاتحاد الدولي للمحامين وهيئة المحامين بالدار البيضاء حول موضوع “الخطأ الطبي والمسؤولية”، يومي 08 و 09 أبريل 2011 بالدار البيضاء، حيث استعرض فيها تعريف الخطأ الطبي، المهنيون أو الممارسون، المستشفيات، المصحات والمختبرات، مع التركيز على الإشكاليات الخاصة التي طرحت على القضاء المغربي، والإشارة إلى ما قد يوجد من اختلاف أو اتفاق بينه وبين نظيره الفرنسي في بعض المفاهيم والتصورات، وقد مهد لذلك ببحث مقارن للتطور المهم المسجل على المستوى العام للمسؤولية الطبية بين القانونين المغربي والفرنسي.
وفي مجال الأحوال الشخصية يقدم الأستاذ محمد نعناني بحثا بعنوان ((مسطرة التطليق للشقاق: آلية لحل الخلافات الأسرية، أم وسيلة سريعة لإنهاء العلاقة الزوجية))، يبحث فيه الانحراف الذي شاب تطبيق المقتضيات المتعلقة بمسطرة “التطليق للشقاق المنصوص عليها في المواد من 94 إلى 97 من مدونة الأسرة، والتي سرعان ما تهافت إليها الأزواج المتنازعون بشكل مثير للانتباه كادت معه أن تغطي سائر حالات التطليق، إذ بذل أن تتجه المقالات الافتتاحية المقدمة من قبل الأزواج إلى طلب إصلاح ذات البين بينهما، ومساعدتهما على إيجاد حل لخلافات نشأت بينهما يخشى منها الشقاق، تماشيا مع روح هذه المسطرة، ومع إرادة المشرع في الحفاظ على الأسرة، فإن الممارسة العملية أثبتت أن جميع الطلبات المقدمة إلى القضاء في الاطار، تتجه في كنهها إلى طلب التطليق بسبب الشقاق، بشكل كادت معه هذه المسطرة تصبح وسيلة لوضع حد للعلاقة الزوجية، وليس حل الخلافات الأسرية.
وفي مجال قانون الأعمال والمقاولات يتضمن العدد بحثا حول (( القوائم التركيبية السنوية ومبدأ الصورة الصادقة)) للأستاذ عبد العالي المكنوني يحلل فيه الإلتزام الملقى على كاهل التجار سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أو معنويين بإعداد قوائم تركيبية سنوية عند اختتام كل دورة محاسبية، حيث عمل على تحديد مفهوم كل قائمة من هذه القوائم على حدة، وبيان المراكز المحاسبية التي تتكون منها، وكذا البنود الفرعية المرتبطة بهذه المراكز حتى يتضح مضمون هذه القوائم، ليبحث بعد ذلك علاقة هذه القوائم بمبدأ الصورة الصادقة المنصوص عليه في المادة 11 من القانون رقم 9.88 المتعلق بالقواعد المحاسبية الواجب على التجار العمل بها.
ويختتم هذاالباب ببحث للأستاذ عبد الإله المعتصم في مجال القانون الإجتماعي بعنوان ((دور التصريح في اثبات مادية حوادث الشغل، ومدى إمكانية الاستغناء عنه)). وهو يتناول أهمية إلزام المشغل بالتصريح بحوادث الشغل لدى السلطات المختصة، في توفير الحماية القانونية للطرف الضعيف في علاقة الشغل، لا سيما على مستوى دور هذا التصريح في تيسير إثبات مادية الحادثة التي تعرض لها الأجير، وكذا انعكاسات عدم التصريح هذا على حق الأجير في المطالبة القضائية بالتعويضات المستحقة له.
وفي باب أحكام وتعاليق، يضم العدد تعليقا قيما للأستاذ حسن ابراهيمي على قرار المجلس الأعلى الصادر تحت عدد 433، بتاريخ 21 شتنبر 2010، يناقش فيه شروط استحقاق المتعة وفقا لقواعد الفقه الاسلامي، ومقتضيات المادة 84 من مدونة الأسرة، على ضوء موقف المجلس الأعلى في القرار موضوع التعليق، القاضي بعدم استحقاق الزوجة في حال التطليق للشقاق بناء على طلبها للمتعة، وإنما يحكم لها بالتعويض بعد أن ثتبت مسؤولية الزوج عن الفراق. وقد ذيل هذا الباب بما يربو عن 35 قرار تمثل أهم الاجتهادات القضائية الصادرة حديثا عن المجلس الأعلى في المواد المدنية تتوزع بين أحكام مدنية وتجارية واجتماعية تعالج إشكالات ذات أهمية على المستوى العملي.
كما نضع بين يدي قرائنا الأعزاء في باب نصوص ووثائق، نص القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، وكذا الدورية المشتركة بين وزير الاقتصاد والمالية ووزير العدل الصادرة تحت عدد 5350 بتاريخ 16/03/2011، بخصوص كيفيات تطبيق مقتضيات المادة 57 من القانون المنظم لمهنة المحاماة المتعلقة بحساب ودائع وأداءات المحامين.
ويتضمن باب ” أعمال جامعية ” تقريرا حول أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص من كلية الحقوق بجامعة محمد الخامس أكدال- الرباط، تقدم بها الأستاذ الباحث سيدي محمد الطاهري العلوي حول موضوع: “حقوق المياه في التشريع المغربي”، ونال بها لقب دكتور في الحقوق بميزة مشرف جدا، مع التوصية بالنشر.
وكالعادة، تختتم المجلة ترتيب موادها في العدد الماثل ب” كشاف القضاء المدني”، الذي يتضمن فهرسة لعدد من المقالات والأبحاث المنشورة بدوريات زميلة في النصف الأول من هذه السنة، وكذا الرسائل والأطروحات التي تمت مناقشتها خلال نفس الفترة في عدد من كليات الحقوق بالجامعات المغربية، وذلك بالاضافة إلى تتبع أحدث الإصدارات في الساحة القانونية، يليها عرض لمجموعة من القواعد المستخرجة من أهم القرارات غير المنشورة في مختلف المواد المدنية الصادرة عن المجلس الأعلى في الأونة الأخيرة.
وكلنا أمل أن يحظى هذا العدد برضاك قارئي الكريم، وأن تجد فيه ما يشفي غليلك العلمي، والله ولي التوفيق.
زكرياء العماري
الرباط في 20 أكتوبر 2011