يمثل هذا المؤلف أول محاولة علمية محضة تتناول الإطار القانوني المنظم لعقود النقل عبر السكك الحديدية على نحو شامل ومستقص، لأن مجمل الدراسات السابقة لم تغط إلا جزئيات صغيرة من دراسة الباحثة، كما أنها مختصرة للغاية، وبقيت حبيسة فقرات محدودة في أبحاث الفقه، ولم يتم التعرض لها بكيفية مستقلة وشاملة. على اعتبار أن مداد الأقلام الفقهية تدفق في العديد من مواضيع النقل البحري والجوي دون النقل السككي.
فهذا بحث علمي قيم، يعكس بالفعل مجهود الباحثة، وما استغرقته من طاقة ووقت في انجازه، يوفر أجوبة للتحديات التي يفرزها التطور المتسارع لأساليب استخدام وسائل النقل عبر السكك الحديدية، ويستدرك الثغرات التي أفرزتها الممارسة العملية، ويواكب تطور الأنظمة القانونية الحديثة.
فقد استطاعت الباحثة جمع شتات الأحكام والقواعد المنظمة للنقل السككي المتناثرة في القوانين العامة والخاصة والاجتهادات القضائية والمؤلفات الفقهية والمواقع الالكترونية، مما يدل على جهد جبار ومعاناة شديدة وصبر طويل. ولم تقف عند هذه الحدود، إذ كثيرا ما كانت تلجأ إلى التحليل والمقارنة والتعليل وهي أمور مكنتها من الوصول إلى نتائج جديدة ومهمة.
فمن خلال عملية تحليل النصوص القانونية المنظمة لعقود النقل السككي والآثار المترتبة جراء الإخلال بها، استطاعت الباحثة أن تتوصل إلى نتائج هامة تجلي جانبا مهما من النزاعات المحتملة أثناء استغلال نشاط النقل السككي، وتفتح بعض الآفاق لتجاوزها. فقد نجحت الباحثة في تحديد أسئلة بحثها تحديدا يتصف بالدقة والتدرج والتكامل، واستطاعت بمنهج قويم وترتيب مستقيم وأسلوب سليم أن تستقرئ موضوع عقد النقل السككي بين إقرار المسؤولية المدنية وتأصيل التعويض استقراء موسعا، وتدرسه دراسة مؤصلة، تحليلا ومقارنة، وتنظم بحثها في خطة متجانسة ومتناسقة في الجملة مع توثيق معاني بحثها، والاستعانة بكم كبير من المصادر والمؤلفات وبسؤال أهل الاختصاص. وقد كان لاستحضار الباحثة للعمل القضائي والقواعد الموحدة لاتفاقية بيرن والقوانين المقارنة أثر واضح في توجيه خطوات البحث وصياغة الحجج وبناء الاستدلال.
ولم تكن الباحثة في هذا كله راصدة أو واصفة، وإنما كانت فوق هذا محللة ومعللة ومفسرة وناقدة وباحثة عن الحلول كلما تبين لها قصور تشريعي في هذا المجال. وهو أمر وسم البحث بالدقة والموضوعية والأمانة، كما وسم منهج البحث بالتماسك والوضوح والرؤية الشمولية الثاقبة.
وقد استطاعت الباحثة سارة اوسامة باقتدار لافت أن تلم بجميع جوانب الموضوع، ثمنته بخاتمة احتوت أهم النتائج التي توصلت إليها. ولا أريد أن ألخص للقارئ هذه الدراسة القيمة، أو أعرض نتائجها الباهرة، لكنني أود أن أشير إلى أربع ملاحظات مهمة ولافتة تتصل بمنطلقات هذه الدراسة ومنهجها الرصين ومادتها الرحبة المتشعبة:
الأولى: التناغم والتناسق بين الأفكار
الثانية: وفرة الأحكام والقرارات القضائية المغربية والأجنبية
الثالثة: مقارنة الأحكام المنظمة للنقل السككي مع القواعد الموحدة لاتفاقية بيرن
الرابعة: جدية النتائج المتوصل إليها
هذا البحث القيم والجدير بالتقدير والاعتبار نبهت الباحثة فيه من خلال خاتمته إلى ضرورة تدخل المشرع المغربي من أجل تحديث القوانين المنظمة للنقل السككي تتماشى مع التطور المذهل في مجال النقل السككي.